الروائي الهندي بانكاج ميشرا وعالم ما بعد الإبادة في غزة
يعتبر الروائي وكاتب المقالات الهندي التقدمي، بانكاج ميشرا، أحد أبرز مفكري هذا الجيل وأصواته المناهضة للاستعمار والرأسمالية والعنصرية والهيمنة الغربية. وقد نشرت له عدة أعمال روائية وثقافية وفكرية تدور حول هذه القضايا المحورية.
وقد صدر له مؤخرا، عن دار نشر فيرن البريطانية في 300 صفحة، كتاب جديد بعنوان “العالم بعد غزة”. ويعيد الكتاب صياغة الصراع الدائر حول فلسطين وتأطير جذوره التاريخية وانقسام الاستجابة العالمية حوله وتداعياته الأخلاقية والجيوسياسية.
النظام العالمي والهولوكوست
يلفت الكتاب إلى أن النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، في نواح كثيرة منه، قد تشكّل استجابة للمحرقة النازية (الهولوكوست) وفظائع الحروب الأهلية النهائية التي أصبحت في الوجدان السياسي والأخلاقي الغربي، معيارا للفظائع والإبادة الجماعية النموذجية، وتسيطر ذكراها على كثير من تفكير الغرب.
لكن الأهم أنها شكلت مبررا أساسيا لـ”حق” الكيان الصهيوني في الوجود و(الدفاع عن نفسه!). لكن أجزاء أخرى من العالم، مزقتها صراعات ومذابح جماعية، لا تسلّم بـ”فرادة” الهولوكوست و”استثنائيته” التاريخية والأخلاقية، حتى لو كانت فظائعه البشعة كذلك.

روتينيا، يتم استدعاء المخاوف من تكرار الهولوكوست لتبرير سياسات إسرائيل ضد الفلسطينيين. وبالنسبة لـ”الشعوب السمراء”، بتعبير المؤرخ والسوسيولوجي الأميركي وليم إدوارد دي بويس (1868-1963)، فإن ذاكرة هذه الشعوب التاريخية الرئيسة تجارب مؤلمة عاشوها تحت العبودية والاستعمار.
إعلان
ويعتقد ميشرا أن قضية القرن الـ20 المركزي هو تصفية الاستعمار والتحرر من احتلال الرجل الأبيض. ويذكّر ميشرا بـ:
“أن أجزاء كبيرة من العالم لديها ذاكرة ثقافية وذاكرة تاريخية لفظائع ارتكبتها القوى الغربية هناك، وأدت في الواقع إلى تكوين هويتهم الجامعة. وهذه هي الطريقة التي يرون بها أنفسهم في العالم”.
ويخلص ميشرا لأن الاستعمار الأوروبي بأفريقيا، والحروب المدمرة بآسيا، والإبادة الجماعية في الشرق الأوسط مؤخرا، قد شكَّلوا حياة مليارات البشر.
الإبادة والاستقطاب
يتناول الكتاب أساسا حرب الإبادة الحالية في غزة، والاستقطاب في ردود الفعل تجاهها، كنقطة انطلاق لإعادة تقييم واسعة لسرديتين متنافستين من القرن الماضي:
- رواية الشمال العالمي انتصارا للرأسمالية الليبرالية على الشمولية والنازية والشيوعية.
- رواية الشعوب السمراء بالجنوب العالمي الداعية للمساواة العرقية والتحرر من الاستعمار الغربي.
وفي حين يتحول توازن القوى في العالم، ولم يعد الشمال العالمي يتمتع بمصداقية أو سيطرة مطلقة، من الأهمية فهم كيف ولماذا فشل شمال العالم وجنوبه في التحدث مع بعضهما.
مع انهيار الأساسات والمعالم القديمة، لا يمكن إلا لتاريخ جديد -بتوكيدات حادة الاختلاف- أن يعيد توجيه العالم، وتظهر الآن وجهات نظر عالمية إلى النور.