في ظل الأزمات العالمية المتشابكة التي تطبع المشهد السياسي والاجتماعي اليوم، يتزايد الاهتمام بتفسير الأنماط التاريخية التي تحكم صعود الحضارات وانهيارها، ودراسة العوامل الكامنة وراء تفكك المجتمعات المعاصرة.
كتاب “زمن النهاية: النخب، والنخب المضادة، والمسار المفضي إلى التفكك” للمفكر الأميركي ذي الأصل الروسي بيتر تيرشن، الذي صدر مؤخرا عن الهيئة العامة السورية للكتاب، ضمن مشروعها الوطني للترجمة، بترجمة الدكتور نايف الياسين، يقدم نموذجا تحليليا فريدا يمزج بين أدوات التاريخ الكمي والنمذجة الرياضية لتفسير الأزمات السياسية والاجتماعية.
اقرأ أيضا
list of 2 itemslist 1 of 2
هل الدولة الإسلامية دينية أم مدنية؟ كتاب جديد يقارن بين الأسس الشرعية والغربية
list 2 of 2
أندرو مارش “حول الديمقراطية المسلمة”.. تأملات في فكر راشد الغنوشي
end of list
ويمثل المؤلَف، الذي يقع في 350 صفحة، تتويجا لجهود معرفية امتدت لأكثر من ربع قرن، ويهدف لفهم الشروط التي تفضي إلى تماسك المجتمعات من جهة، وتلك التي تؤدي إلى تفككها وانحدارها من جهة أخرى، مع التركيز على الحالة الأميركية بوصفها نموذجا معاصرا لأزمة مركبة في طور التبلور.
ومترجم الكتاب حاصل على درجة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي جامعة شرق أنجليا بالمملكة المتحدة، ويدرس في جامعة دمشق، وله عدد من المنشورات والكتب المترجمة.
أما المؤلف فهو أستاذ في جامعة كونيتيكت ورئيس مركز العلوم المعقدة في فيينا، وعالم أحياء تحول في العقدين الأخيرين إلى الاشتغال بالعلاقة بين التاريخ الكمي وعلم الاجتماع السياسي.
إعلان
وقد كرس تيرشن أبحاثه لتطوير منهج تحليلي جديد يعرف باسم “الكليو دايناميكس” (Cliodynamics) وهو مجال بحثي عابر للاختصاصات يدمج “التطور الثقافي” و”تاريخ الاقتصاد” و”علم الاجتماع الكلي” و”النمذجة الرياضية” للعمليات التاريخية على المدى الطويل، بالإضافة إلى بنائه قواعد بيانات تاريخية وتحليلها.
ويسعى المؤلف من خلال هذا المنهج إلى دراسة الأنماط المتكررة لصعود النظم السياسية وانهيارها، اعتمادا على بيانات كمية طويلة الأمد وأدوات النمذجة المستمدة من العلوم الطبيعية.
https://www.facebook.com/v14.0/plugins/post.php?app_id=&channel=https%3A%2F%2Fstaticxx.facebook.com%2Fx%2Fconnect%2Fxd_arbiter%2F%3Fversion%3D46%23cb%3Df31c5d5015ba9f2bf%26domain%3Dwww.aljazeera.net%26is_canvas%3Dfalse%26origin%3Dhttps%253A%252F%252Fwww.aljazeera.net%252Ff00acb7726d93577d%26relation%3Dparent.parent&container_width=0&href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2FAlhyytAlamtAlswrytLlktab%2Fposts%2Fpfbid02f2Aqhs1fEEmqez1X3Y2jrV5tSBxmVNEXWqUaR8UPJrJoZmd1Feq7ajBxDsQFmDrjl&locale=en_US&sdk=joey&width=552
قراءة في مسار التفكك الاجتماعي والسياسي
في كتابه يقدم ترشن تحليلا تنبؤيا مبنيا على قواعد بيانات واسعة ونماذج إحصائية معقدة، مفاده أن الولايات المتحدة تمر بمرحلة متقدمة من التفكك الاجتماعي، قد تفضي إلى انهيار النظام السياسي.
وقد بدأ المؤلف مشروعا بحثيا ضخما عام 2011 بمشاركة علماء من تخصصات متعددة، هدف من خلاله إلى جمع وتحليل بيانات تاريخية عن صعود الحضارات منذ العصور القديمة وانهيارها، وقد انتقل من اهتماماته في علم الأحياء إلى العلوم الاجتماعية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ليبحث في أنماط التدهور الاجتماعي عبر الزمن.
وينطلق تيرشن من فرضية أساسية مفادها أن
الأنظمة السياسية، بما فيها الديمقراطيات الليبرالية، لا تتمتع بمناعة تاريخية ضد الانهيار، بل تسير وفق دورات زمنية يمكن التنبؤ بها.
ووفقا لنموذجه، هناك 4 قوى بنيوية متداخلة تسهم مجتمعة في دفع المجتمعات نحو التفكك، وتشكل أعمدة أطروحته:
- أولها: الإفراط في إنتاج النخب، ويقصد به تزايد عدد الأفراد المؤهلين والمتطلعين لشغل مواقع النخبة، مقابل محدودية هذه المواقع. وهذا ما ينتج حالة من التنافس الحاد والانقسام داخل النخب ذاتها، ويرى أن الصراع بين فصائل النخبة العسكرية والمالية، والبيروقراطية والأيديولوجية يؤدي تدريجيا إلى تفكك داخلي يصعب إصلاحه.
- وثانيها: إفقار العامة حيث يؤدي اتساع الفجوة بين النخبة الحاكمة والجماهير إلى تآكل العدالة الاقتصادية، وتزايد مشاعر السخط والغضب الشعبي.
- وثالثها: ضعف الدولة، وهو ما يتمثل في تراجع قدرة الدولة على فرض الاستقرار وضبط التوازنات الداخلية، مما يفضي إلى اهتزاز شرعيتها.
- ورابعها: صعود النخب المضادة، وهم أولئك الطامحون الذين لم يجدوا موقعا في بنية السلطة القائمة، فلذلك يسعون إلى تقويضها عبر توظيف الاستياء الجماهيري واستغلاله للخروج عليها وانهيار حكمها.