تالين
5,000 د.ك
تالين الطفله التي لم تكن تعرف متى بدأ الصمت يسكنها
تالين الطفله التي لم تكن تعرف متى بدأ الصمت يسكنها، لكنّها أيقنت منذ طفولتها أن الصمت أصدق من الكلمات، وأن بعض البيوت لا تُنجب الأمان مهما بدت عامرة، كبرت في بيتٍ غابت عنه المودّة، وسكنت جدرانه الخوف أكثر من الأمان ، بيت يُشبه الفصول الباردة، لا دفء فيه كانت طفلةً تُخفي ارتجاف صوتها، وتتعلم كيف تبتلع وجعها كي لا يُرى، تعلّمت كيف تبتلع الألم بصمت، وكيف تبتسم وهي تختنق بالكتمان،وأن بعض القلوب لا تُشفى بالكلام، بل بالصبر والدعاء ، والقرب من الله تعيش بين قلوبٍ لا تسمع إلا صدى نفسها، وبين وجوهٍ لا تعرف معنى الحب والحنان ، ومع كل ليلةٍ كانت تبكي فيها بصمت، كان بداخلها يقين لا ينكسر، يقينٌ بأن الله” لا يُكلف نفسًا إلا وسعها”، وأن في كُلِ قلبٍ وُجِعَ طريقًا خفيًا نحو النجاة، كبرت تالين، واشتدّ صمتها حتى صار هو لغتها، تبتسم للعالم وفي داخلها طفلة ما زالت تنتظر أن يُسمع صوتها , طفلةٌ أنهكها الخوف، واعتادت أن تخبّئ وجعها خلف ضحكةٍ مرتجفه ومزيفه ، كانت تمشي بثباتٍ يُخفي ألمُها، وتضحك كي لا تُسأل عن سبب الوجع. تتظاهر بالقوة، بينما في داخلها طفلةٌ تقف على أطراف الذاكرة، وحين جاء العوض، لم يكن على هيئة وعدْ او صدفة، بل جاء بهدوءٍ يُشبهها، يحمل ملامح الطمأنينة التي بحثت عنها دهراً، جاء “ناصر” لا لينقذها، بل ليذكّرها أن الله حين يؤخر يُمهّد، لم يكن ناصر مجرد شخصاً عابراً في حياة تالين ، بل كان شخصاً يشبه الدُعاء المستجاب بعد طول الانتظار ، يُشبه النور الذي يتسلّل برفقٍ بعد ليلٍ ثقيل. فهذه ليست حكاية حب، بل حكاية نجاة ويقين ظلّ حيًا رغم الألم، وحِكاية طِفلةٍ صمتت طويلاً حتى جاء من يسمعها دون أن تتكلم .

